﷽
انتهيت قبيل أيام من المشاركة في تنظيم أحد البرامج الصيفية التي قدمت دورات تدريبية مجانيةً للنشء بين الثانية عشرة والسابعة عشرة من العمر. وفي ختام كل دورة كان على الطلاب المشاركين ملء استمارة لاستبيان آرائهم، وكان أحد الأسئلة عن شيء واحد يرغبون بتغييره في البرنامج. استوقفتني إحدى الإجابات، وهي لفتاة عمرها ثلاثة عشر عامًا:
الواسطة، لانو ما يصير بنت المدير تدخل الفلم [الوثائقي] على حساب انها بنته او انها تدخل [الدورة] وهي عمرها 10 سنوات يعني اقل من العمر المطلوب عشانها بنت او تقرب للمدير. شي يقهر والله.
والفلم الذي تشير إليه الفتاة هو فلم وثائقي قصير عن الدورة التدريبية قامت به الطالبات المشاركات. رغم أني سررت بجرأة البنت وحرصها على طرح هذا الموضوع، إلا أن ما استوقفني وحزّ في نفسي هو القهر الذي تملكها لما استشعرته من الظلم والتجاوز.
هذه الفتاة ما زال في نفسها شيء من الفطرة السليمة التي لم تستسغ وقوع هذا التجاوز للقانون رغم أنه لم يضرها بشكل مباشر، ولما يهجّنها مجتمعها بعد لتقبّل الأمر لأن الشخص المعني لديه واسطة أو لأنه أحد أقارب المدير. ولكنها تلقت رغم ذلك رسالةً بليغةً في عدم احترام القانون، وما زال العمر ممتدًا أمامها لتتلقى العديد من الرسائل المماثلة، لتنتهي عندما تكبر كواحد منا: ننظر إلى هذه القصة ومثيلاتها بلا مبالاة باعتبارها أمرًا طبيعيًا. وما يقارب إشفاقي على هذه الفتاة إلا إشفاقي على زميلتها – بنت المدير – التي كان عليها أن تعيش مدةً بين أترابها وهن يتناوشنها بنظرات تفتقد الاحترام، أم لعلها اعتادت ذلك؟
لا أعتقد أن السيد المدير أو أحد المنظمين الذين علموا بالأمر قد دار في خواطرهم شيء مما أقوله الآن، أو أنهم فعلوا ما فعلوه بنية ”سيئة“ (رغم أني لا أفهم بالضبط كيف يحابي المرء أقرباءه ليأخذوا غير حقهم بنية حسنة). وما أبرئ نفسي كذلك، إذ ما كنت لأجعل من الحبّة قبّة – كما سيقول البعض – لو لم أعرف بالأمر من خلال ما كتبته هذه الفتاة. ولكني أعتقد أننا كلنا كنّا كهذه الفتاة في صغرنا، ثم بدأت فطرتنا تتشوه شيئًا فشيئًا إلى أن اعتدنا الظلم – سواء أكان منا أم علينا.
ما يثير الحزن في النفس هو أننا نقيم هذه البرامج وأمثالها بدعوى تطوير مقدرات أبنائنا وإعدادهم لمستقبلهم وبناء أوطانهم، ولا نبخل في ذلك بمال أو جهد أو خبرة، ثم نأتي لنهدم ما بنيناه بأيدينا ونبيع ما كسبناه بثمن بخس. وأي شيء نكسبه من طفل نعلمه مهارةً أو اثنتين مقابل أن نزرع في نفسه عدم احترام القانون أو الاستهانة بالظلم؟!