﷽
في عالم تسوده التغيرات السريعة فإن القدرة على التفكير الإبداعي تصبح مفتاحًا للنجاح والرضا – مهنيًا وشخصيًا. ولا شيء أكثر أهميةً لأطفال اليوم من تعلّم التفكير الإبداعي، أي تعلّم التوصل إلى حلول مبتكرة للحالات غير المتوقعة التي ستظهر باستمرار في حياتهم. ولكن المدارس لا تقدم هذه الأمر للأسف في غمرة انشغالها بالتركيز على اتباع مناهج مفروضة واستذكار الدروس والتحضير للاختبارات.
ولكن أسلوب التعلّم المتبع في روضة الأطفال يختلف عن ذلك، إذ يقوم الأطفال فيها باستمرار بالتصميم والإنشاء والاختبار والاستكشاف. مما يجعل هذا الأسلوب مثاليًا لتلبية احتياجات المجتمع الحالي، وينبغي تعميمه على المتعلمين من مختلف الأعمار.
لنأخذ مثالًا عن أسلوب الروضة في التعلّم: قد يبدأ طفلان باللعب بالمكعبات الخشبية ويبنيان بمرور الوقت مجموعةً من الأبراج، ثم يرى زميل لهما هذه الأبراج ويبدأ بدفع سيارة لعبة بينها، ولكن الأبراج شديدة القرب من بعضها، فيأخذ الأطفال بتحريكها بعيدًا عن بعضها لترك مساحة كافية لمرور السيارات، إلا أن أحد الأبراج يسقط خلال هذه العملية. بعد جدال قصير عمّن كان سبب سقوط البرج يشرع الأطفال بالتحدث عن كيفية بناء برج أطول وأقوى. هنا تريهم معلمتهم صورًا لناطحات السحاب الحقيقية، ويلاحظون أن قواعد هذه الأبنية أعرض من قممها، ولذا يقررون إعادة بناء برجهم بقاعدة أعرض مما فعلوا في المرة السابقة. يتكرر أمثال هذه العملية المرة تلو المرة في الروضة. تتنوع المواد المستخدمة (ألوان الأصابع، الألوان الشمعية، الأجراس) وكذلك النواتج (صور، قصص، أغانٍ)، ولكن العملية في صلبها تبقى نفسها. انظر إلى هذه العملية كدوامة يتخيل فيها الأطفال ما يريدون فعله، وينشئون مشروعًا بناءً على أفكارهم، ويلعبون بما صنعوه، ويتشاركون أفكارهم وإنشاءاتهم مع الآخرين، ويتفكّرون في خبراتهم هذه – وهذا كله يقودهم إلى تخيل أفكار جديدة ومشاريع جديدة.
إذا كان هذا الأسلوب في التعلّم بالغ النجاح في الروضة، فلم لم يطبق في بقية أجزاء النظام التعليمي؟ أحد الأسباب هو قلة تقدير أهمية مساعدة النشء في أن يطوروا أنفسهم كمفكرين إبداعيين. سبب آخر يتعلق بتوفر المواد والتقنيات المناسبة. المكعبات الخشبية وألوان الأصابع كافية للأطفال الذين يعملون على مشاريع في الروضة أو يتعلمون مفاهيم فيها (كالعدد والشكل والحجم واللون)، ولكن عندما يكبر التلاميذ فإنهم يريدون ويحتاجون العمل على مشاريع وتعلّم مفاهيم أكثر تقدمًا، عند ذلك لا تعود المكعبات الخشبية وألوان الأصابع كافية. إذا كان التلاميذ الأكبر سيتعلمون وفق أسلوب الروضة فسيكونون بحاجة أنواع مختلفة من المواد والوسائل والأدوات. وهنا يمكن للتقنيات الرقمية لعب دور مهم في تحول التعليم. إذا صُممت التقنيات الرقمية ودُعمت بشكل مناسب فباستطاعتها توسيع أسلوب الروضة بحيث يمكن للمتعلمين من كافة الأعمار الاستمرار بالتعلّم وفق هذا الأسلوب، وأن يستمروا خلال هذه العملية بالتطور كمفكرين إبداعيين.
كانت هذه مقدمة ورقة بحثية للأستاذ متشل رزنك بعنوان كل ما أحتاج معرفته حقًا (عن التفكير الإبداعي) تعلّمته (بدراسة كيفية تعلُّم الأطفال) في الروضة (وهي متوفرة باللغة العربية، مع الشكر للأخت جهاد نادر لمراجعتها للترجمة)، ويكمل الحديث فيها عن الكيفية التي يمكن بها للتقنيات الرقمية دعم العناصر المختلفة التي تؤلف دوامة التفكير الإبداعي والتعلّم في الروضة.
بالمناسبة اسم مجموعة الأستاذ ميتشل في جامعة إم آي تي هو روضة أطفال مدى الحياة Lifelong Kindergarten، إيمانًا منه بالأسلوب الذي تتبعه الروضة في التعلّم وضرورة استخدامه وتطوير الأدوات التي تدعمه في مختلف المراحل العمرية.