﷽
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمّي، محمد معلّم الناس الخير، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه تتمة تقريري عن رحلتي إلى مخيمات النازحين في ريف إدلب في الشمال السوري المحرّر في شهر كانون الثاني/يناير 2013. كتبت في الحلقة الأولى من هذه السلسلة من التدوينات عن مشاهداتي الأولية من رحلة سريعة إلى مخيَّمَين، وفي الثانية عن بداية تجربتي مع الأطفال في مخيم قاح بعد عودتي إليه. كانت زيارتي للمدرسة/المسجد مفتاحًا للمزيد من التعامل والأنشطة مع الأطفال، فتابعت في اليومين التاليين — الثالث والرابع — استكشاف المزيد عنهم/معهم.
شغّل آلة التصوير.. أكشن!
التقيت المزيد من الفتيات في اليوم الثاني وطلبت منهن المجيء إلى المسجد مبكرًا في اليوم التالي كي نجد نشاطًا للقيام به. عندما اجتمعنا في صباح اليوم الثالث كانت هناك عشر فتيات جديدات. سألتهن إن أحببن الفلم الذي شاهدنَه بالأمس (Tiny Souls) وإذا ما كنّ راغبات بالقيام بشيء مشابه. أعجبتهن الفكرة ولكننا كنا بحاجة إلى مكان لنعمل فيه. اقترحت إحدى الفتيات أن ننطلق جميعًا إلى خيمتها.
اقترحت أداء مزيج من الأغاني والأحاديث، وطلبت منهن اختيار الحديث عن خبراتهن في بلداتهن قبل الثورة، أو خلالها، أو حياتهن في المخيم، أو تطلعاتهن للمستقبل. ولكن معظمهن أصررن على التحدث عن زمن الثورة: سواء عن الكيفية التي اضطروا بها لمغادرة بيوتهم أو قصص الأبطال الذين بذلوا أنفسهم خلالها.

حين بدأ نشاط الأولاد بعد الظهر، قمنا بالمزيد من الرسم، وصرت أعير انتباهًا أكبر لما رووه عن رسوماتهم. كنت آخذ القصص المفصّلة التي أسمعها إلى الكبار من البلدات والقرى نفسها التي أتى منها الأولاد ليأكدوا صحة كثير منه ومطابقته لأحداث ومعارك حقيقية جرت.


قابلت في ذلك اليوم أبا عبد الرحمن، ثاني المدرسَين المتطوعَين. لم يكن أبو عبد الرحمن نازحًا بل أتى متطوعًا من بلدة في الشمال السوري ليساعد في تعليم الأطفال في هذه المنطقة قرب الحدود. كان الأطفال مغرمين بأبي عبد الرحمن رغم حزمه، والبنات منهم خاصةً، فقد كان يخصص وقته جلّه للأطفال وكان موجودًا لأجلهم متى احتاجوه ليسمّعوا ما يحفظونه من القرآن أو يقرؤوا معه أو لمجرد الحديث. كان يتبادل الدور مع المدرس الآخر، وسيم، في تدريس الأطفال وينسقان سويًا ما يقومان بتدريسه.
كان أبو عبد الرحمن صريحًا معي منذ اللحظة الأولى في لقائنا، فبعد أن عرّفت بنفسي وهدفي من القدوم، قال إنّ عليّ إن أردت مساعدة الأطفال فعلًا أن أترك كل شيء لأبقى معهم، وإن أردت إحداث تغيير فعليّ أن أرابط هناك لتحقيقه (وقال تقريبًا إن كل ما عدا ذلك علاك :)). سرّني أبو عبد الرحمن بصراحته وأكبرت فيه نصحه المباشر، خاصةً وأن فعله كان مطابقًا لقوله. أسأل الله له الإخلاص والصواب وأن يعظم له أجرًا. كان بعض الآباء يبوحون لي بقلقهم مما يقوم به أشخاص مثلي يأتون ويغادرون طوال الوقت، ويتعاملون مع الأطفال دون بناء علاقات متينة.
مع ما يجري في سورية ووجود مخيمات للاجئين خارجها ومناطق محررة داخلها، يحلو للكثيرين القيام برحلات إلى هذه الأماكن لتقديم المساعدة للناس (تقديم معونات، إقامة برامج ترفيهية أو تعليمية للأطفال..)، وصار ذلك ظاهرةً أقرب إلى السياحة الإنسانية. لن أستطيع الكتابة عن الظاهرة ككل ومتى ينبغي للمرء أن يسافر إلى هناك ومتى عليه الامتناع، ولكن الأخ كنان رحماني كتب في ذلك شيئاً طيباً. قابلت كنان في بداية رحلتي، وهو ناشط أمريكي سوري ذو همة عالية، أسأل الله له التوفيق والإخلاص، وقد كتب تدوينةً مهمةً من جزئين بعنوان My thoughts on trips to Syria يحكي فيها رأيه بالرحلات إلى سورية في الوقت الراهن. يتحدث الجزء الأول عما ليس سببًا كافيًا للسفر، أما الجزء الثاني فيتحدث عما قد يصلح كأهداف لرحلتك. ما يسعني التركيز عليه من خبرتي هو الجانب التعليمي. أسمع بين الحين والآخر عن ناشطين يسافرون لتدريس الأطفال في المخيمات، وأقول بدايةً جزاهم الله خيراً على مقصدهم الطيب، ولكني أضيف ما يلي إلى ما ذكره الأخ كنان في تدوينتيه: العديد من هؤلاء الناشطين ليسوا بذي خبرة خاصة في التعليم، وتكلف رحلة الواحد منهم في بعض الأحيان 1000 دولار أمريكي أو تزيد ليبقى مع الأطفال ما يقل عادةً عن أسبوعين، فيما يمكن بهذا المبلغ تغطية راتب معلم من اللاجئين لبضعة أشهر. غالب الناشطين غريبون عن بيئة الأطفال (وعن الثورة نفسها أحيانًا) فيصعب عليهم فهمها خلال الفترة القصيرة التي يقضونها معهم، وذلك مما يجعل الأفكار التي يتكلمون فيها مع الأطفال خارج نطاق الأحداث. أكثر من يغيظني شخصيًا أولئك الذين يتعاملون مع الأطفال وكأنهم ضحايا زلزال أو بركان أو حرب أهلية لا حق فيها ولا باطل، ويروجون لتصورات ممجوجة عن السلام والتسامح والتعايش (بدل العدالة مثلًا) فيما قاتلهم طليق يعيث في الأرض فسادًا. ما يقلقني في مثل هذه الممارسات هو نزعها الصبغة الأخلاقية عن الصراع بين الحق والباطل، مما ينمّي شعورًا متزايدًا لدى الأطفال (وأهاليهم أيضًا) بعبثية ما يجري، وأنهم ثانيةً ضحايا عديمو الحيلة في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، و أن الأولوية هي إنهاؤه لا ظهور الحق فيه، مما يعزز التذمر بدل الصبر.

أمضيت الليلة مع المعلمَين وسيم وأبي عبد الرحمن وثلة من صحبهما وكانوا جميعًا شبابًا في مطلع العشرين. سألني أحدهم عن آلة التصوير فأمضيت بعض الوقت في أخذ عدة صور بإعدادات مختلفة لأشرح الفوارق بينها. خطر لي حينها القيام بشيء من الرسم بالضوء، وكانت تلك المرة الأولى التي يخبرون فيها شيئًا مماثلًا. كان ذلك فرصةً طيبةً لبدء حديث عن الاهتمامات، وكان معنا شاب يلقب نفسه بأبي الريش فذكر أنه هاوٍ للراب وأنه كتب بعض الأغاني بنفسه. فاجأني ذلك إذ لم ألتق واحدًا من قبل لما كان لدي من آراء عن المجتمع الذي تنمو فيه هذه الموهبة، ولم أتوقع أن أجد مثله في المخيم. طلبت منه أن يسمعنا بعض ما عنده فأعجبني. طلبت منه فيما بعد تسجيل بعض الأغاني، وأدى أحدها أمام الأولاد، مما ساعد في بدء تفاعل إيجابي معهم.

قضيت تلك الليلة مع أولئك الشباب: ليلتي الأولى في خيمة حقيقية 😐 لم يكن كيس النوم معي فتدبر لي الإخوة خمسة أغطية لأبقى دافئًا، ولكن أتذكر أن كل نازح كان لديه ثلاثة أغطية فقط؟ كان البرد مع غياب الإنارة والتدفئة واحدًا من أكبر أسباب التوتر والصدام بين النازحين والمشرفين على المخيم. كانت الأغطية الإضافية التي حصلت عليها على أي حال هي المعاملة التفضيلية الوحيدة تقريبًا التي حصلت عليها. فيما عدا ذلك فقد حرصت على أن أشارك الناس حياتهم بتفاصيلها، فقد شاركتهم الطعام والخيام والأوحال والانتظار معهم في طابور دورات المياه 🙂 كانت هذه المشاركة هامةً لأتعرف عن قرب على مكامن التحدي والتوتر في حياة الناس، وفي الوقت نفسه كانت سبيلًا لبناء علاقة أوثق معهم.
لا تكتف برواية قصصك، بل اكتبها
لم يكتب الأطفال شيئًا حتى اليوم خلا أسمائهم. إلا أنني اليوم بعد أن يريني الأطفال رسوماتهم ويحكوا لي ما فيها، صرت أطلب منهم أن يكتبوا ما رووه لي للتو. تردد البعض بادئ الأمر، ولكنهم سرعان ما بدؤوا الكتابة على الرسومات نفسها.
كتب بعضهم مجرد أسماء (شجرة، بيت، سمكة…) بينما كتب آخرون جملًا بسيطة (هذه شجرة، هذا أب يصيد السمك). كانوا يرتكبون أخطاء في الكتابة، ولكني لم أصححها لهم، وعندما كانوا يعودون إلي ليروني ما كتبوا كنت أطلب منهم قراءته.
كان الأطفال يكتبون كلمات مثل سمكي و غيمي بدل سمكة وغيمة، أو جملًا مثل ”الاسنين كنو يتسبقون“ بدل ”الاثنان كانا يتسابقان“، ولكني لم أصحح لهم شيئًا، فلِمَ؟ في تلك المرحلة المبكرة، كان تركيزي الأكبر على استعادة الأطفال ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على التعلم بعد فترة طويلة بعيداً عن القراءة والكتابة. الكتابة (ككثير من الأشياء الأخرى التي نتعلمها) عبارة عن وسيط نستخدمه لخدمة هدف معين. ما يحدث في المدرسة أن الأطفال يتعلمون استخدام الوسيط دون أن يكون هناك هدف واضح، مما يجعل العملية عبثيةً ودون جدوى بالنسبة لهم. كان الهدف في حالتي هو أن يفصح الأطفال عما في داخلهم ويتواصلوا مع الآخرين، ولم أرد للهدف أن يضيع في غمرة التركيز على الوسيلة (الوسيط). ينبغي أن نتذكر أن الكتابة في نهاية المطاف هي مجرد اصطلاح. نحن نقرأ في القرآن مثلًا: الرحمن وملك والسموت والصلوة ومائة، ونعرف أنها تلفظ: الرحمان ومالك والسماوات والصلاة ومئة، والتنقيط والشكل اصطلاح كذلك. ولذا عندما يبدأ الأطفال بتعلم الكتابة فإني سأشير إلى ما يكتبونه على أنه طرائق غير تقليدية أو غير معيارية في الكتابة بدل أن أقول إنها أخطاء (وهذا هو الفارق نفسه بين أن نجعلهم يشعرون بالذكاء أو الغباء). تُراجع في هذه النقطة وما سبقها الصفحات 27-30 من كتاب Duckworth, E. (2006). The Having of Wonderful Ideas: And Other Essays on Teaching and Learning. 3rd Ed. نتجت العديد من أخطاء الأطفال عن محاولتهم كتابة اللغة العامية المحكية، فعندما تنطق فتاة غيمة كـ”غيمِي“ و سمكة كـ”سَمْكِي“، ثم تكتبها كما تلفظها فإن فعلها صحيح من ناحية ما، ومصدر الخطأ ليست طريقة تفكير هذه البنت في تحويل الملفوظ إلى مكتوب، وإنما في الملفوظ نفسه. تدخلي كمعلم في هذه الحالة لأقول لها أن ما تلفظه كـ”سمكي“ ينبغي أن يكتب ”سمكة“ لن يساهم إلا في تشويشها وتخريب القاعدة [الصحيحة] التي تتبعها، وستلجأ عندئذ إلى استذكار كيفية كتابة كل كلمة على حدة (بعد أن تكره الساعة التي بدأت فيها تعلم الكتابة :?) بدل ممارسة ما هو أعلى في سلّم الإدراك أي استنتاج قواعد عامة والعمل وفقها. بالمحصلة، أرى التعامل مع تعلّم الكتابة (والأخطاء المرتكبة أثناء ذلك) بسبيلين يؤتيان أكلهما على المدى الطويل: تحدَّث العربية الفصحى مع الأطفال كي يتعلموها ويستقيم لفظهم مع كتابتهم، وخير من بحث ذلك فيمن أعلم من المعاصرين عبد الله الدنّان جزاه الله خيرًا، وله في ذلك كتاب ومقالات ومحاضرات، منها فِلْم عن منهجيته من إنتاج مركز الضاد للتدريب (الأجزاء 1 و 2 و 3) ومقابلة معه على قناة المجد. من اللطيف أن تسبق ذلك بمشاهدة ابنه يتكلم الفصحى قبل أن يبلغ الرابعة. قد تسمع من الناس أذىً، وسيخرج من يقول ”لم التنطع؟“ و”حدثوا الناس بلغتهم“ و”يعني الولاد ما رح يتعلموا أذا ما حكوا فصحة؟“ وكثير غيره، فمن الضروري أن توضّح للآباء (والأطفال إن استطعت) سبب اتباعك هذه المنهجية وتسألهم المساعدة في ذلك، والله المستعان في كل حال. عندما نتعامل مع الكتابة على أنها اصطلاح فإن ما يشجع الأطفال على اتباع الاصطلاح المعياري المعتمد بين الناس هو شعورهم بالحاجة إلى فهم ما يكتبه الآخرون ورغبتهم في أن يفهم الآخرون ما يكتبونه هم، ولن ينمو هذا الشعور دون أن يقرأ الأطفال ويكتبوا عن أشياء يحبونها وتهمهم، وهنا ينتقل التركيز من الكتابة نفسها إلى المواضيع التي ستتم الكتابة عنها، وهذا ما اتبعته مع الأطفال عندما طلبت منهم رسم قصصهم والكتابة عنها. الاستجابات قصيرة الأمد مما يجري في المدرسة عادةً من إلزام الأطفال بكتابة الكلمات عشرات المرات كي يحفظوها لن تنتج عنها إلا ما نسمعه من قصص متواترة عن ”الأطفال الذين نسوا الكتابة (والقراءة) بسبب عدم ذهابهم إلى المدرسة“. والحقيقة أن الأطفال لا ينسون القراءة والكتابة لأنهم لا يذهبون إلى المدرسة، وإنما لأنهم لا يمارسونهما، لأنهم لم يتعلموا قراءة أشياء يحبونها ويهتمون بها والكتابة عنها.

عندما طلبت من إحدى الفتيات الكتابة تعللت بأنها لا تعرفها. قدّرت عمرها بثماني سنوات، وعندما سألتها عن الصف الذي هي فيه أجابتني بأنها يفترض بها أن تكون في الصف الثالث، ولكنها لم تكمل إلا الصف الثاني. سألتها إن كانت تستطيع التهجئة فأجابت بنعم، فطلبت منها اختيار إحدى الكلمات من رسمتها لتجرب تهجئتها. أشارت إلى سمكة، وقالت باللهجة المحكية: ”سَمْكِي“ وبدأت تهجؤها: ”إس، إم، كاف، إي“، فسألتها إن كانت تستطيع كتابة هذه الأحرف منفصلةً وأشرت إلى ورقة الرسم نفسها، فبدأت كتابتها حرفًا حرفًا (انظر الصورة التالية). أتبعْتُ ذلك بأن تحاول وصل الأحرف شيئًا فشيئًا ثم تكتب الكلمة كاملةً، وكان منها ذلك، فصاحت في سرور وتعجب ”أنا بعرف اُكتب!“ جربت الفتاة بعد ذلك كتابة المزيد من الكلمات. كانت هناك كذلك عدة أخطاء لم أشر إليها، إلا أنها استعادت ثقتها بقدرتها على الكتابة.

بعد قيام الأطفال بإكمال كتاباتهم الأولى كان عليّ أن أدفع الأمور إلى مرحلة تالية. كان بعض الأطفال يعرضون عليّ رسوماتهم ليتحدثوا من خلالها عن قصص كاملة فيها أبعاد مكتملة للزمان والمكان (بينما كانت الرسومات جامدةً في الزمان)، فصرت أطلب من الأطفال أن يفكروا برسوماتهم على أنها سلسلة من الأحداث. لأساعدهم في ذلك اقترحت عليهم تقسيم الأوراق إلى أربعة أرباع، ويفكروا بكل ربع على أنه إطار في الزمن، وهكذا أصبح من السهل عليهم أن يكتبوا جملًا تحكي قصصهم.

بحضور المزيد من الأطفال إلى الأنشطة صرت أفوّض شيئًا مما أقوم به إليهم، فبعد شرح النشاط التالي لبضعة أولاد صرت أرسل من يأتيني إليهم ليستفسر منهم عما عليهم القيام به. فكنت أقول مثلًا لمن يأتيني وقد كتب على رسمه ولكنه لما يبدأ رسم سلسلة من الأحداث، أن يبحث عن صبي معه ورقة مقسمة إلى أربعة أرباع، ويعرّفه باسمه ومن أي البلدات هو، ثم يسأله عما عليه فعله تاليًا. في بعض الأحيان كان يعود إليّ الطفلان كلاهما، وفيهما من بدأ أصلًا بالمهمة الجديدة ليخبرني أنه لم يستطع شرح المطلوب لصاحبه، فنعاود الحديث معًا عن المهمة الجديدة.
لم أبدأ تفويض مهامي للأطفال لأسهّل الأمور على نفسي. مع أن ذلك قد يبدو سبباً مغريًا بادئ الأمر، إلا أنه ليس بالسهولة التي يبدو عليها. لكني قمت بذلك للأسباب التالية: من الصعب أن نعرف أو يعرف الأطفال أنفسهم مقدار فهمهم لأمر ما دون يبدؤوا الحديث عنه بلغتهم الخاصة بعيداً عن الحفظ، وهذا ما كانوا يكتشفه البعض عندما يأتيهم أحد أقرانهم ليسألهم عما ينبغي فعله، فيجدوا أنهم لم يفهموا ما يفترض أنهم كانوا يقومون به أصلًا لحظة السؤال. تعزيز التواصل الإيجابي والتعارف بين الأولاد في موضع فيه تعاون وتشارك. سأتحدث عن هذه النقطة باستفاضة في الحلقة القادمة، ولكن تجريب تحمّل المسؤولية يعرّف الأطفال بالجهد المناط بذلك، فيبدؤون التفكير بالأمر على أنه تكليف وليس تشريفًا، ويتجاوزون الاتهام التلقائي لكل من هو في موضع المسؤولية.
وجدت كذلك أن بعض الأطفال أبدى اهتمامًا أكبر بالكتابة مقارنةً بالرسم، فصاروا يخصصون حيزًا أكبر للنص. كانت القصص تتنوع بين قصص شعبية معروفة وقصص أخرى تروي أحداث ما مر به الأطفال. الأمر الذي لاحظته كذلك هو أن مشاهد الحرب والدمار بدأت بالتناقص لصالح مواضيع أكثر تنوعًا مع مرور الوقت.


كان أبو عبد الرحمن يبدي اهتمامًا متزايدًا بما كنت أقوم به، وصار يسألني كل ليلة عن الأنشطة التي قمت بها ومشاهداتي أثناء ذلك، ويستعرض معي ما أنشأه الأطفال. اضطررت في ذلك اليوم أن أغادر البنات فيما كنّ يرسمن، وعندما عدت وجدته معهنّ متفاعلًا بشكل يشبه ما أخبرته سابقًا عما أقوم به، فكان يسألهنّ عمّا رسمن ويستمع إلى قصصهن، حتى أنه بدأ بعد أيام باستخدام بعض ما أستخدمه من استراتيجيات في دروسه (كأن يفوّض شيئًا من مهام التعليم إلى بعض طلابه).
لا بدّ أنك لاحظت أن رسومات الأطفال خلت من أي ألوان رغم أني ذكرت أني جلبت معي أقلامًا للتلوين، والسبب هو أنني أردت إضافة قيد إبداعي creative constraint لأرى ما الذي سيخرج الأطفال به دون ألوان، ولأترك لهم فرصة التركيز على الموضوع (القصص التي يكتبونها) أكثر من الأدوات (الألوان التي سيستخدمونها). قيد آخر استخدمته هو عدم تزويدهم بممحاة، فكان عليهم تدارك أخطائهم بشكل مختلف.
لا يلغي ذلك بالطبع أن وجود أدوات ومصادر إضافية في متناول اليد يفتح آفاقًا جديدةً للإبداع لا تكون متاحةً دونها، ولكن التحديات والعوائق التي نواجهها لها دور كبير كذلك في صقل خبراتنا ودفعنا للخروج بحلول مبتكرة وخلق تقدير أكبر لما هو متاح من الأدوات رغم محدوديتها. التوازن مطلوب على الدوام، ولا بأس بتجريب هذه الأمور واختبار ردات فعل الأطفال وتفاعلهم مع الأدوات التي نتيحها لهم ولفت أنظارهم إلى هدفنا من ذلك، والتعلّم من ذلك كله.

🙂
أرغب بمشاركة تجربتي بصعوبات الكتابة, إني كنت اعاني من مشكلة “ولا زلت إلى الآن أحياناً”
أني كنت اكتب بلا نقط واحيانا يسقط احد الاحرف سهوا وكانت والدتي جزاها الله خيرا تستمر بتوجيهي وتحزيري اي الاحرف هو الذي قد نقص وانا أجاوبها بان الكلمة كاملة لايوجد نقص وقد تخلصت من الجزأ الاكبر من المشكلة في الثالث الاعدادي
وموقف طريف :
من وقت قصير عندما ذهبت الى احد الدوائر الحكومية كتبت اسمي والنسبة ولكن المفاجأة اني كتبت النسبة وقد انقصت نقطة فتغيرت كنيتي كلياً وبعد ما عمل الموظف الاجراءات المناسبة والدي انتبه ان كنيتي تنقصها نقطة واخبر الموظف بانه اخطا فاخرج الورقة التي قمت بتعبئتها واتضح الامر أنه انا من اقترف الخطأ 🙂 والدي ببساطة اخبره ان ابنتي لديها هذه المشكلة منذ الطفولة 🙂
أنا اعتبر ان مشكلة الكتابة من اعظم المشكلات واكثرها ارباكا للطفل والذي يشرف على تدريسه
وايضاً القراءة … ولا اقصد بالقراءة فقط ان تنطق الكلمة بل فهم الكلمة ونطقها بالشكل الصحيح 😦
وهذا يحتاج الى ممارسة كبيرة
السلام عليكم ورحمة الله
شكراً على مشاركتك. هناك حالات تظهر فيها صعوبات في القراءة والكتابة بغض النظر عن الأسلوب المتبع في تعليمهما (مثل عسر القراءة Dyslexia)
ليس هناك ما نتعلمه دون مواجهة أي صعوبات، فحتى أكثر الألعاب تسليةً نواجه أثناء تعلمها لحظات من الخوف من الإخفاق والإخفاق نفسه ثم الإحباط المرافق لذلك. ليس المهم أن نتخلص من هذه اللحظات (وليس من السليم ذلك)، بل إيجاد الدافع المناسب لنشجع المتعلمين على متابعة التعلم رغم ما يواجهونه .
ياحبيبتي سناء من مخيم قاح .. كم أحببتها وأتمنى لو ألتقيها لأتعلم منها .. رواية للأحداث رائعة وبأسلوب بارع حفظك الله وحماك .. كم لغتك جميلة وكم هو مؤلم مامررت به لكنك قوية وصامدة وعلينا أن نتعلم منك الكثير
تمام
هذا ماكان والدي ووالدتي يصران لنقله لي انه لابد من ان استمر بالتعلم واتخطى العائق
لأني كنت وعلى وشك اترك المدرسة من عسر الكتابة والقراءة
ووالدي كان يخبرن ياني بحاجة للتدرب أكثر لاستطيع القراءة بسهولة ويحضر للي قصص ومجلات ليحببني بها ولتصبح القراءة سلسة لدي ويطلب مني ان اساله عندما لا افهم الجملة
ولكن بالفعل عسر القراءة والكتابة مشكلة المشاكل وهي من احد اهم الاسباب التي تؤدي لعدم متابعة مسيرة التعلم