
نحن في نما فريق صغير من الطلاب في جامعة إم آي تي من خلفيات واختصاصات مختلفة، ونبحث الكيفية التي يتعلم بها الناس بشكل أفضل. نؤمن أن الأطفال يتعلمون بأفضل شكل ممكن عندما تتاح لهم فرصة التصميم والبناء (سواء بناء قصة وقصيدة أو بناء سلسلة من التفاعلات الميكانيكية)، ويشجَّعون على طرح الأسئلة، ويسمح لهم باستكشاف اهتماماتهم الخاصة، وتتاح لهم بيئة للتعلم فيها الأمان والاحترام. كان الفريق نشطًا خلال الفترة 2012-2014 وكان يدعى EducateSyria معظم ذلك الوقت،
إخبار الناس ما عليهم معرفته وشرحه لهم يلعب دوراً صغيراً في مساعدة الناس على التعلم، إذ أن التعلم عملية نشطة ينشئ فيها المتعلمون المعاني ويبنون المعرفة لأنفسهم، وعلى المشرفين والمعلمين الإنصات أكثر فيما يشارك المتعلمون تصوراتهم الخاصة عن العالم.
هذا الأسلوب في التعلم يشبه أسلوباً متبعاً في التدخل في الأزمات يعتمد على أن الناجين لديهم من الأدوات والخبرات ما يعينهم على تجاوز الأزمة. لن يكون دور المتدخل هو دور المنقذ خارق القوة أو الخبير الذي يعرف كل الأجوبة، بل عليه أن يتبع مسلكاً أكثر تواضعاً يشجع الناجين على مشاركة قصصهم والوصول إلى حلولهم الخاصة.

نستكشف في نما بيئات وأنشطة للتعلم مبنية على المنهجين المذكورين بخصوص التعلم والتدخل في الأزمات، لنزود الأطفال بوسائل ليتعلموا فيما ندعمهم ليجدوا سبلهم الخاصة ليستعيدوا توازنهم ويتجاوزوا المحنة التي مروا بها. نركز على الجانب التعليمي من التجربة، ولا ندعي أننا نغطي التدخل النفسي المختص عند الحاجة إليه، ولكننا نهيئ بيئةً صحيةً تعين الأطفال على استعادة توازنهم وحيويتهم.
نبني بيئات تعلم صغيرة ونوثق الجوانب المختلفة التي يتعلم من خلالها الأطفال كمبدعين والكيفية التي يتعاملون بها مع التحديات التي تواجههم. نراقب كذلك وعي الناس وأفكارهم تجاه التعليم والأنشطة الإبداعية، والمقاومة التي يبديها الكبار أو الصغار نحو أشكال غير نمطية من التعلم والصعوبات التي تواجههم أثناء ممارستها، وكذلك تحوّل مفاهيمهم خلال ذلك كله. نشارك نشاطاتنا وملاحظاتنا مع الآخرين ممن يخطط لتزويد الأطفال بتجربة تعلم ذات معنى بعيداً عن مجرد افتتاح مدرسة عادية، ونساعد بتدريب المشرفين أو المعلمين عند الحاجة لذلك.
عندما يتعلم الأطفال لغتهم الأولى فلا أحد يتوقع من طفلين مختلفين أن يتعلما قول الأشياء ذاتها أو اتباع منهج معين نحو تحقيق الطلاقة في هذه اللغة. فلكل طفل بيئته واهتماماته وحاجاته الخاصة، وما يقوله أو يتعلم قوله ينبع من هذه النواحي المتمايزة. لا يتعلم الأطفال لغتهم الأولى بالبدء بتعلم الحروف الأبجدية، ولا يُعنَّفون عندما يلحنون ويخطؤون، بل على العكس من ذلك يُحتفى بأخطائهم عادةً ويُستَظرف لحنهم، ليُصحَّح كل ذلك ويستقيم بالتدريج وكثير من الرفق والحب. يمارس الأطفال لغتهم من خلال رواية القصص أو النكات التي يحبونها أو لطلب حلواهم المفضلة أو الاشتكاء من أخ يضايقهم، أي أنهم يمارسون اللغة في سياق طبيعي غير مصطنع عبر التفاعل مع البيئة والناس حولهم، وإنشاء مخرجات من عبارات وجمل ذات معنىً لهم ولمجتمعهم – وكل هذا شديد الاختلاف عما يبدو عليه الحال في المدرسة المعاصرة.
نتعلم من هذه المنهجية في تعلّم اللغة الكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها في تعلم أي شيء آخر بطريقة مشابهة، سواء كان ذلك القراءة والكتابة أو حتى كيفية برمجة الحاسوب. فماذا لو استغنى الأطفال عن التمارين التي لا تنتهي لكتابة الحروف وبدؤوا مباشرةً بإنشاء قصصهم المصورة، أو قضوا بضعة أسابيع كصحفيين يوثقون ما حولهم؟ لا حدود للبدائل الممكنة، ولكن الجانب المهم الذي نركزعليه هو بناء وصيانة بيئة تعلم إبداعية يُشجَّع فيها الأطفال على الاستكشاف والإنشاء ومساعدة ونصح بعضهم البعض خلال رحلة التعلم. وخلال ذلك ستنبثق أنماط جديدة من التعاون بين القرناء وعبر الأجيال، وسيبدأ الأطفال بحل معضلات أصيلة حقيقية فيما يتعلّمون كيف يتعلّمون – وكلها مهارات تتماشى مع احتياجات الأطفال في حاضرهم ومستقبلهم – وخاصةً في السياق السوري.
توثيق عملنا
قمنا ببضع رحلات لزيارة تجمعات للنازحين أو اللاجئين والعمل مع الأطفال هناك، كما تعاونا مع عدد من الجهات بتقديم استشارات أو تصميم أنشطة تعليمية للأطفال. كتبت عن تجاربي على صفحات هذه المدونة. في مجموعة التدوينات أدناه شاركت مشاهداتي وخبراتي من رحلة قمت بها إلى الحدود السورية التركية في كانون الثاني/يناير 2013 بهدف استطلاع حال الأطفال هناك وتجربة بعض الأفكار عما يحفزهم والكيفية التي ينبغي أن يتعلموا بها في ظروفهم الراهنة (وسبق أن جمعت في تقرير باللغة الإنكليزية).
الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس
تحدثت عما قمت به في تلك الرحلة وعما تعلمته عن دوافع الأطفال للتعلم بغض النظر عن الأدوات المتاحة لهم في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم (WISE 2014) في الدوحة/قطر وفي لقاء DET في اسطنبول/تركيا.
كتبت نور دقماق عن نشاطاتها مع اللاجئين في الأردن في مدونتها Venture to Learn.
خلفية منهجيتنا
اضطر ملايين السوريين إلى النزوح عن بيوتهم منذ بدء الثورة المباركة في آذار / مارس 2011 وما تبعها من الرد المتوحش للنظام. تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من ثلث السكان في سورية دون الخامسة عشرة من العمر، والكثير منهم انقطع عن الدراسة منذ أكثر من عام. وكما أن هؤلاء بحاجة إلى الغذاء والسكن فهم بحاجة لذلك لإشباع حاجتهم للتعلم.
وتحت ثقل الاحتياجات الإغاثية الضخمة فإن قلةً من المنظمات تلتفت إلى تلبية الاحتياجات التعليمية للأطفال، وعندما يقومون بذلك فغالباً ما يكون بافتتاح مدارس تقدّم النمط المعتاد من التعليم، والتي نعتقد لعدة أسباب تربوية ونفسية أنه ليس الحل الأمثل لمساعدة الأطفال في هذه الظروف خاصةً. لنتذكر أن الأطفال يعيشون ظروفاً غير اعتيادية، فليس من المنطقي أن يتعلموا باستخدام الطرائق التقليدية. سيجادل البعض بأن التعليم (بشكله التقليدي) هو ما سيضمن لهؤلاء الأطفال مستقبلاً أفضل، متناسين أن هذا النوع من التعليم هو نفسه أخفق في مساعدة المجتمع على حل مشكلاته في وقت السلم، عداك عن أن ما سيتعلمه الأطفال هناك والكيفية التي سيتعلمون بها منفصلة تماماً عن واقعهم واحتياجاتهم المستقبلية (التي لا يمكن لأحد التنبؤ بها).
يضاف إلى ذلك أن المؤسسات التعليمية المقدَّمة تخفق في التعامل مع الاحتياجات النفسية للأطفال نتيجة الظروف التي يمرون بها، والتي سيكون لها أثر طويل الأمد على حياتهم – حتى عندما يحصلون على التعليم. تظهر الأبحاث التي تدرس الأطفال في البيئات منخفضة الدخل مثلاً (والتي تترافق عادةً مع ضغوط نفسية واجتماعية بالغة) ثم تتابعم في حياتهم بعد ذلك، تظهر أن المشكلة الأساسية التي تؤثر على حياتهم سلباً ليست عدم حصولهم على تحفيز معرفي في صغرهم، وإنما البيئات المشوشة التي يكبرون فيها عادةً والعلاقات المتوترة مع البالغين حولهم، وهذا ما يؤثر على الكيفية التي تنمو بها أدمغتهم، حتى أن الباحثين استطاعوا إيجاد روابط مباشرة بين هذه الخبرات السلبية المبكرة والمشاكل التي تظهر لاحقاً في الصحة والسلوك والتحصيل العلمي.[1]
فقد الكثير من الأطفال في سورية أحداً من أقاربهم أو أصدقائهم، وشهد معظمهم شيئاً من القصف أو التفجير أو إطلاق الرصاص، خلا أولئك الذين اضطروا لترك بيوتهم. يُقدَّم التدخل النفسي حالياً – عندما يتوفر – عبر أنشطة منفصلة يقوم بها معالجون أو خبراء في هذا المجال لفترات قصيرة من الزمن، إذ أن الخبرات والموارد المتاحة تعجز عن تغطية الاحتياجات الضخمة، ويستحيل أثناء ذلك توفير الوقت لبناء الثقة اللازمة في مثل هذا النوع من التدخل.[2] ولكن بناء بيئة تعلم آمنة يشيع فيها الاحترام ويستطيع الأطفال فيها مشاركة أفكارهم والتعبير عن أنفسهم قد يكون ذا أثر كبير في تجاوز الأطفال لمحنتهم، إذ أن معظم الناجين يستطيعون استعادة توازنهم النفسي بأنفسهم دون تدخل اختصاصي إذا ما هيِّئت لهم الظروف المناسبة.[3]

- انظر مثلاً Tough, P. (2012). How Children Succeed: Grit, Curiosity, and the Hidden Power of Character. العودة إلى النص
- أخبرت في إحدى المدارس التي زرتها قرب الحدود السورية التركية أن اختصاصية نفسية فرنسية تزورهم مع مترجم ساعتين أسبوعياً، علماً أن في المدرسة ٣٠٠ طالب. العودة إلى النص
- انظر Echterling, E. G. & McKee, J. E. (2004). Crisis Intervention: Promoting Resilience and Resolution in Troubled Times. العودة إلى النص
“لن يكون دور المتدخل هو دور المنقذ خارق القوة أو الخبير الذي يعرف كل الأجوبة، بل عليه أن يتبع مسلكاً أكثر تواضعاً يشجع الناجين على مشاركة قصصهم والوصول إلى حلولهم الخاصة”
هذا يذكرني بقول باولو فرير:
https://wajadto.wordpress.com/2013/12/27/salvation-vs-dialogue
أوافق فرير في النصف الأول من المقولة التي اقتبستها، المتعلق بضرورة الحوار لمعرفة رؤى الناس الذين نستهدفهم، أما النصف الثاني الخاص باحترام هذه الرؤى فلا. سأحاول فهمها وتفهّم أسباب وجودها، ولكني سأعمل على تغييرها إن جانبت الصواب.
باعتبار أني أتعامل مع مسلمين فإن نظرتنا للعالم متوافقة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالدعم النفسي والذي أرى جزءاً كبيراً منه متعلقاً بالناحية الإيمانية. أما عند النظر في التعليم وكيفية إدراك الناس له فرؤانا مختلفة تماماً، ويدرك من يتابعني أني أعمل جاهداً على تغيير أفكارهم عن التعليم، أهدافاً ووسائلا – ولن أمانع تسميت ذلك غزواً ثقافياً أو غير ذلك. لذلك ذكرت في إحدى تدويناتي:
“لا يعني الاستماع إلى هذه المجتمعات ومحاولة فهمها الانتقال إلى النقيض الآخر والتخلي عما نعتقد صحته من أفكار لصالح تنفيذ ما تريده الفئات المستهدفة بالمساعدة. فعندما أسمع مثلاً من الأطفال والبالغين في المخيمات أنهم يريدون مدرسة، لا يمنعني ذلك من تحدي افتراضاتهم والعمل على بيئة تعلم مختلفة تماماً، فهدفي هو أن أقدم ما يحتاجه الناس وليس ما يريدونه. وفي أي مجتمع اعتمل الفساد في أسسه لا بد من زعزعة شيء منها واستبدالها، ولكن لا مفر قبل ذلك من تمييز الصالح من الفاسد لمعرفة ما نبقي عليه وما نهدمه، ومن أن نحاول فهم الكيفية التي ستتفاعل بها حلولنا المقترحة مع المجتمع المستهدف.”
وفقكم الله
نرجو ان تحصلو على بيئات مميزة بأسرع وقت
ليتسنى لهذا النشئ الاستفادة منها